مجلـــــــــــــة الإحياء الإسلامي ::: العدد الأول ::

تحميل المجلة بصيغة word

تحميل المجلة بصيغة pdf

تصفح المجلة

معاينة غلاف المجلة

الخميس، 15 مارس 2012

ملف أبوة الدعوة التربوية 2 - ::: العلاقة بين دعوة الشيخ عبد المجيد الشاذلي ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ::: كتبه / أنور الزعيرى

مشاركة
2 - ::: العلاقة بين دعوة الشيخ عبد المجيد الشاذلي
ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب :::
كتبه / أنور الزعيرى

بسم الله الرحمن الرحيم  والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
تبدو العلاقة بين دعوة العلامة عبد المجيد الشاذلي ودعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب (القرن الثاني عشر الهجري) متصلة المعاني متوحدة الأهداف مع وجود الفارق الزمني، واختلاف الوضع الثقافي والاجتماعي، ونوع المواجهة مع الجاهلية. ورغم هذه الاختلافات فإن أقرب دعوة معاصرة تتفق مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب هي دعوة أهل السنة والجماعة، تلك الدعوة التي أعلنت نفسها كمنهج للإحياء، ودعوة للنجاة، تهدف أساسا إلى تحقيق العبودية الكاملة لله، وتضبط اجتهاداتها وفق أصول علمية بالغة الدقة، وترى أن تحقيق التوحيد - الذي هو معنى الإسلام وحقيقة الإيمان - هو النقطة الجوهرية التي لا يمكن تجاوزها في بناء الأمة، فلا توجد أمة إسلامية قبل هذا (التحقيق).
وترى دعوة أهل السنة والجماعة أنّ غبش التصورات فى العقيدة، وتفشي قيم الجاهلية الهادمة، وتغلغل الانحراف فى تراث الخلف، أدّى في النهاية إلى انتزاع القيادة من الإسلام، والسقوط في التبعية، وتبدّل وجه الحقيقة التي بعث الله بها رسله.
هذه النتائج الخطيرة كانت هي الحصيلة التي اندفعت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب لمواجهتها في النهاية، وكان (كتاب التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب بمثابة المدفعية الثقيلة التي تهدم كل الأسوار الأسطورية، وحاصدة قلاع الشرك في الجزيرة العربية التي أكلتها خرافات عصور الانحراف، وأساطير عبادة البشر. وجاء باب (تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله) داخل الكتاب المذكور بمثابة البيان عن حقيقة الدعوة وتوجّهها العام؛ إذ لخّص فيه المؤلف عناصر أو أركان توحيد الإلوهية (توحيد العبادة) الذي بعث الله به جميع الرسل، وجمع الشيخ محمد بن عبد الوهاب التوحيد في أربعة آيات تدلّ على ثلاثة أركان:
الركن الأول: إفراد الله بالنسك، ودلّل عليه الشيخ بقوله تعالى: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)) (الإسراء 58)، وقد ضرب الشيخ المثل بهذه الآية رغم أنها متعلقة بالدعاء؛ لأن الدعاء من جنس النسك كالصلاة والصوم والذبح والنذر إلخ.. فيكون تمثيل بواحد من الجنس عن الباقي، أو لأنّ الدعاء بمثابة الأصل لكلّ ماهو نسك باعتبار أنّ التنسّكات جميعها (طلب) لرضاء الله والتقرب إليه.
الركن الثاني: قبول التشريع من الله وحده وردّ ما سواه (الحاكمية)، ودلّل عليه الشيخ بقوله تعالى: ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ)) (التوبة 31).
الركن الثالث: الولاء لله بلا شريك، ولازمه: البراءة من الشرك والمشركين، ودلّل عليهما الشيخ بآيتين: قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ)) البقرة 165، وقوله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)) (الزخرف 26)(1).
فحدّد الإمام بذلك معنى التوحيد الذى يدعو إليه، ومعنى لا إله إلا الله، ثمّ واجه الإمام بهذه الدعوة الواضحة البيضاء مشكلة (الالتباس)، وضياع معنى التوحيد، وقصور الأفهام عن إدراك دعوة الرسول صلى الله عليه وسلّم الحقيقية، وتصدّى لمواجهة هذه الدعوة الإسلامية مجتمعُ الكهنة وسادني القبور ممن أسماهم الإمام بـ (علماء المشركين)، ولكن الدعوة واجهت الشبهات وحاججت المخالفين، فتميزت الراية واكتسبت الوضوح الكافي لفهمها.
لم تختلف دعوة العلامة عبد المجيد الشاذلي في تحديد توحيد الإلوهية (النسك، الحاكمية، الولاء) عن دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب؛ ذلك أنّ الينابيع واحدة، ومنهج الفهم موحّدٌ في الدعوتين، لكنّ دراسات العلامة عبد المجيد الشاذلي الأصولية مهّدت له سبلا جديدة للتدليل على جوهر التوحيد العملي وحقيقته. فإلى جانب الاستقراء من الكتاب والسنة وواقع الدعوة المحمدية وكلام العلماء، أثبت العلامة الشاذلي وسائل أخرى لتحديد التوحيد بدقة، عبر ما أسماه الشيخ "مسالك معرفة التوحيد"، وهذه المسالك في أصول الفقه "إنما هي قوانين تحقق وجود الجامع بين الأصل والفرع، وهي طرق لإثبات (العلة)، وتنقسم ما بين نقلية وعقلية، فالنقلية: هي النص والإجماع وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، والعقلية: هي السبر والتقسيم والمناسبة والشبه والطرد والدوران وتنقيح المناط إلى طرق أخرى (2).
فاستخدم الشيخ هذا المنهج العلمي الدقيق الذي أنتجته قريحة صفوة علماء الإسلام عبر ألف عام من الفقه؛ ليحدد بدقة كيفية تحديد التوحيد دون الوقوع في اللبس والتخبّط والابتسار واجترار مقولات من هنا أو هناك، وذكر الشيخ ستة مسالك:
مسلك العلم الضروري ويعرف من دعوة الرسل.
مسلك المعرفة من دلالة الشهادتين.
مسلك المعرفة من الدلالات اللغوية للإسلام والإيمان قبل تنزيل النصوص التفصيلية المحدّدة.
مسلك معرفة التوحيد من خلال معاني العبادة الخمسة المتصلة بالتوحيد.
مسلك معرفة التوحيد من معرفة معاني الإسلام بالمطابقة من النصوص.
مسلك العلم النظري.
ثم زاد الشيخ الأمر بيانا بتوضيحه أنّ حقيقة الكفر لا تتقيّد بالإقرار والاعتقاد وشرط الاستحلال والجحود والعلم
شرح الصدر والعناد، ولا يمنعها التأويل، ولا تتقيّد بقصد الكفر (3). ومن يتتبّع إنتاج الشيخ العلمي يدرك أنّ الشيخ عبد المجيد الشاذلي من أكثر العلماء تدقيقا في بيان التوحيد العملي، وأنّ جهوده متمّمة لعمل شيخ الإسلام ابن تيمية في إظهار التوحيد العملي (توحيد العبادة) الذي طمسه علم الكلام في عصور الانحطاط.
وكما كانت مشكلة الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهاب مع قضية (الالتباس) وعلماء عصره ممن ناصروا القبورية أو ممن بلغتهم أخباره مشوهة مبتورة، حدث نفس الشيء مع العلامة عبد المجيد الشاذلي، مع فارق واحد هو أنّ دعاة اليوم يتحدثون باسم السلفية، والتي ورثها بعضهم منهجا جهلوا معانيه، وضاقت مداركهم الفكرية عن اللحاق بالشيخ، أو وقفت بهم الشائعاتُ والأخبارُ الكاذبةُ حاجزا بينهم وبين فهمه والتعلم منه، حتى أنّ بعض هؤلاء الدعاة أنكروا أن تكون أركان توحيد الألوهية الثلاثة شرطا في قبول الإسلام عند الله، وخلطوا بين ما يقبل به الإسلام عند الناس وما يقبل به عند الله، فكانوا حجر عثرة في فهم التوحيد الصافي، وبلوغه إلى كثير من الناس، لكن متى كان جهل من جهل، وعجز من عجز، وإعراض من أعرض كفيلا بتحطيم الدعوات؟ يشهد التاريخ تفوق دعوات كثيرة على كثرة أعدائها، فها هي دعوة الإسلام منذ اللحظة الأولى تواجهها الأحقاد والضغائن وعبودية الذات، ومازالت الدعوة المحمدية تخرج من نصر إلى نصر حتى كتب الله لها الظهور، فلنا بهذا الرعيل الأول قدوة نحذوها، وفي دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب عبرة لنا في أنّ العاقبة للتقوى.
______________________________________
(1) كتاب التوحيد - باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا اله إلا الله.
(2) إمام الحرمين: البرهان - مخطوط نقلا عن: مناهج البحث عند مفكرى الإسلام / أ.د. علي سامي النشار، ص 92.
(3) البلاغ المبين - العلامة عبد المجيد الشاذلى ج1 ص 275.

شارك أصدقاءك

0 التعليقات:

إرسال تعليق