التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الملف السوري ::: عن «الإرهابيين» والحل السياسي في سوريا ::: ياسر الزعاترة


::: عن «الإرهابيين» والحل السياسي في سوريا :::
ياسر الزعاترة

 “الدمار هناك هائل.. ذلك الجزء من حمص دمِّر تماما وأنا أرغب بشدة في معرفة ما الذي حدث للناس الذين يعيشون في ذلك الجزء من المدينة”. كان هذا ما قالته “فاليري آموس” مسؤولة الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة.
بعد مقتل أكثر من 8 آلاف شخص في المواجهات الدامية مع قوات النظام السوري وشبيحته، من بينهم مئات الأطفال والنساء، وبعد عمليات التعذيب والتدمير والترويع التي قام بها النظام منذ اندلاع الانتفاضة، يأتي من يحدثك عن “الإرهابيين” الذين يقاتلون النظام ويفرضون عليه الرد.
سفير إيران في فرنسا يتحدث عن “الإرهابيين” الذين ترسلهم بعض الدول العربية لقتال النظام السوري من أجل إفشال الحل سياسي، بينما يتحدث نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة عن القتال الذي يخوضه بشار الأسد ضد “إرهابيين” يدعمهم تنظيم القاعدة بينهم 15 ألف أجنبي على الأقل سوف يستولون على بلدات في أنحاء سوريا في حالة انسحاب القوات الحكومية منها”.
الشيء المؤكد أن الصراخ الإيراني الروسي لا يتجاوز “البروباغندا” السياسية التي تردد مقولات النظام السوري، فالدول العربية ليست في وارد إرسال “إرهابييها” إلى سوريا، في حين يبدو من العبث الحديث عن 15 ألف “أجنبي” يخوضون القتال ضد قوات النظام.
لكن ذلك لا يغير في حقيقة أن مسألة المقاتلين العرب ستأخذ في التصاعد بمرور الوقت إذا استمر القتال ولم يرحل نظام الأسد بهذه الطريقة أو تلك، الأمر الذي ينطبق بصورة أكبر على مسألة العسكرة التي غدت حقيقة واقعة في الصراع الدائر في سوريا.
من يعتقد أن ما جرى إلى الآن يمكن أن يبقي على الإطار السلمي للثورة السورية واهم إلى حد كبير، ومن يحملون السلاح لا ينتظرون إذنا من أحد، بل إنهم لا ينتظرون حتى الدعم أيضا، وسيقاتلون بما تيسر لهم من سلاح حتى الرمق الأخير.
عندما نتحدث عن ذلك الكم الهائل من الضحايا والمعذبين، فلا يمكن لعاقل أن يعتقد أنهم كانوا مقطوعين من الشجر؛ هم الذين ينتمون إلى أسر وعائلات، ولهم أخوة وأقارب من الطبيعي أن يحملوا السلاح انتقاما من النظام الذي ولغ في دمائهم.
الشيء المؤكد أن العسكرة كانت خيار النظام، وأن الجزء الأول منها كان نتاج اختراقات أحدثها النظام في بعض المجموعات، لكن الأكيد أيضا أن الأمر تجاوز ذلك كله إلى عسكرة واسعة النطاق عمادها المنشقون عن الجيش الذين لم يجدوا غير هذا السبيل دفاعا عن أنفسهم وعائلاتهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه بكل بساطة هو: إلى أين كان بوسع أولئك الآلاف من المقاتلين الذين هربوا من الجيش رفضا لقتل أبناء شعبهم، إلى أين كان بوسعهم أن يذهبوا، وهل يمكن أن يتحولوا إلى لاجئين يسكنون الخيام في دول الجوار؟!
الأمر الطبيعي أن يحملوا السلاح ويواصلوا القتال، كما أن من الطبيعي أن ينضم إليهم آخرون، بينما ينحاز الجمهور المعذب إليهم، ويبتعد بالتدريج عن القائلين بالانتفاضة السلمية، مع أن البعد السلمي للاحتجاجات لا يزال قائما في طول سوريا وعرضها لا ينكره غير الجاحدين الذين يريدون حشر الانتفاضة في إطار القتال المسلح تبريرا لجرائم النظام، مع أن ذلك القتال لا ينخرط فيه سوى القلة من الناس، بينما يؤيده الآخرون بتوفير الحاضنة والهتاف ضد النظام.
هنا يتبدى ذلك الهراء الذي يردده الإيرانيون والروس وبعض معارضة الداخل عن إمكانية الحل السياسي مع نظام لا خيار له سوى البقاء ولو على جثث السوريين ومقدرات بلدهم.
لقد قلنا إن الخيار الإسرائيلي المتبنى من قبل الأطراف الداعمة له في أمريكا والغرب هو تدمير البلد كي لا ينهض من جديد خلال عقود، لكن مسؤولية توفير فرص النجاح لهذا الخيار لا تقع على عاتق الشعب الثائر، ولا على من اضطروا إلى حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم أمام آلة القتل البشعة التي تطاردهم في كل مكان.
لقد جاء دستور الأسد التافه الذي حوَّل قيادة البلاد من حزب البعث إلى شخص الرئيس ليؤكد استحالة الحل السياسي، مع إدراكنا لحقيقة أن أي دستور مهما كان لن يغير في واقع الحال شيئا في ظل سيطرة نخبة عائلية وطائفية على الجهاز العسكري والأمني في البلاد.
إن مسؤولية هذا الانفجار الذي يشهده الملف السوري، وصولا إلى ما يشبه الوضع الأفغاني هي مسؤولية النظام وحده، وإذا اعتقد أنه باجتياح حمص والمضي في برنامج القتل ينقذ نفسه فهو واهم. أما الشعب فلم يعد لديه خيار آخر، اللهم سوى المزاوجة بين دعم المقاتلين وبين استمرار الاحتجاج السلمي الذي يؤدي بدوره إلى مزيد من الضحايا، وتبعا له المزيد من الانحياز للخيار العسكري مهما بلغت كلفته.
على من يحرصون على سوريا ودورها وحضورها أن يطالبوا هذا النظام المجرم بالرحيل، وأي كلام آخر، بما فيه الحديث عن حل سياسي يبقي النظام ورئيسه هو محض انحياز للقاتل لا أكثر، فليختر كل أحد المعسكر الذي يقف فيه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الملف الثقافي والتربوي ::: ملحق قصص وحكايات للأطفال :::

ملحق قصص وحكايات للأطفال :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::   ملحق قصص وحكايات للأطفال (حكايات وقصص للأطفال قبل سن المدرسة) القصة المؤلف دار النشر حكايات جدتي أحمد الكبيسي دار المطبوعات الحديثة/جدة أسمعني حكاية يحيى حاج يحيى دار المطبوعات الحديثة/جدة حكايات روضة البراعم محمد موفق سليمة دار الهدى/الرياض حكايات قبل النوم بدر العبدان النادي الأدبي/المدينة المنورة مجموعة قصص الأطفال عبد الحفيظ الشمري النادي الأدبي/حائل سلسلة الكاتب الصغير عمر الصاوي مكتبة العبيكان/الرياض حكاياتي الجميلة أسماء محمد مصطفى دار سفير/القاهرة مغامرات فرفور ترجمة سحر عاصي دار المؤلف/بيروت ملحق قصص وحكايات للأطفال (حكايات وقصص للأطفال قبل سن المدرسة) حكايات وقصص لأطفال الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية دار النشر المؤلف القصة دار ربيع/حلب الدعاس/البابا سلسلة ألوية الإيمان دار سفير/القاهرة سمير حلبي آية و...

الأسرة المسلمة ::: شريك من اختياري ::: إعداد /رميساء الجندي

::: شريك من اختياري :::                                                                                إعداد /رميساء الجندي عضو هيئة تحرير مجلة الإحياء الإسلامي بناء الأسرة على الوجه السليم الرشيد ليس أمراً سهلاً، بل هو واجب جليل يحتاج إلى إعداد واستعداد، كما أنّ الحياة الزوجية ليست لهواً ولعباً، وليست مجرد تسلية واستمتاع، بل هي تبعات ومسؤوليات وواجبات، من تعرض لها دون صلاح أو قدرة كان جاهلاً غافلاً عن حكمة التشريع الإلهي، ومن أساء استعمالها أو ضيّع عامداً حقوقها استحق غضب الله وعقابه، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان صالحاً لهذه الحياة، قادراً على النهوض بتبعاتها، قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ء...

ملف تاريخ الدعوة المعاصر ::: دور عبد الناصر في حرب يونيو ::: بقلم الأستاذ/أحمد عبد المجيد.

::: دور عبد الناصر في حرب يونيو ::: بقلم الأستاذ/أحمد عبد المجيد. مقدمة: -الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد:- فلاشك أن أي فرد يتمني الخير لبلده وأمته،ولكن الواقع الذي حدث من عبد الناصر في حرب يونيو 1967 يظهر لنا عكس ذلك،ويظهر لنا مدي الخسارة الفادحة والهزيمة المنكرة التي ذاقتها البلاد والعباد،وذلك بسبب الأوامر التي قام عبد الناصر بإصدارها،والأحداث التي قام بصنعها وقيادتها حتي أدت إلي ذلك الواقع المرير الذي لا يتمناه من عنده أدني ذرة من حب لدينه أو حتي بلاده،وسنتجول في مبحثنا هذا عن دور عبد الناصر عن هزيمة حرب يونيو. حرب 1967:- استفاد اليهود من حرب يونيو 67 استفادة كبيرة جداً علي يد جمال عبد الناصر وفي مجال شتي مما لم يكن يخطر لهم علي بال سواء في حينها أو بعدها وحتى الآن،ونبين هنا أن الإجراءات التي اتبعت في حرب يونيو 67 متماثلة مع الإجراءات المتبعة في حرب 1956 مع خلاف بسيط،مما يجعل المرء يعتقد أن من وراء ذلك سوء قصد،وتعمد الوصول للنتائج التي أدت إلي الهزيمة المخزية والمزرية،ومن ذلك:- 1-علم عبد الناصر المسبق بوقوع الحرب:- ثبت أن عبد الناصر كا...