مجلـــــــــــــة الإحياء الإسلامي ::: العدد الأول ::

تحميل المجلة بصيغة word

تحميل المجلة بصيغة pdf

تصفح المجلة

معاينة غلاف المجلة

الخميس، 15 مارس 2012

الأسرة المسلمة ::: شريك من اختياري ::: إعداد /رميساء الجندي

مشاركة

::: شريك من اختياري :::
                                                                              إعداد /رميساء الجندي
عضو هيئة تحرير مجلة الإحياء الإسلامي

بناء الأسرة على الوجه السليم الرشيد ليس أمراً سهلاً، بل هو واجب جليل يحتاج إلى إعداد واستعداد، كما أنّ الحياة الزوجية ليست لهواً ولعباً، وليست مجرد تسلية واستمتاع، بل هي تبعات ومسؤوليات وواجبات، من تعرض لها دون صلاح أو قدرة كان جاهلاً غافلاً عن حكمة التشريع الإلهي، ومن أساء استعمالها أو ضيّع عامداً حقوقها استحق غضب الله وعقابه، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان صالحاً لهذه الحياة، قادراً على النهوض بتبعاتها، قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم:6)
غاية الزواج
تكمن غاية الزواج في تحقيق التكامل الإنساني بين الرجل والمرأة وخلافة الله عز وجل في الأرض، وهذه الغاية تجعل من الزواج وسيلة لا غاية .
الزواج قدر أم اختيار ؟
الزواج اختيار يترتب عليه قدر وفى هذه النقطة يجب أن نعلم ابتداء أنه لا تعارض بين إيماننا بتقدير الله لكل شيء وإيماننا بأنه سبحانه أعطانا مشيئة وإرادة نتمكّن بها من فعل الأشياء ، قال تعالى مثبتا مشيئة العباد : (لمن شاء منكم أن يستقيم ) ، ومشيئتنا وإرادتنا هي ضمن مشيئة الله لا تخرج عنها كما قال تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) وعليه فلا يصح ضرب هذا بهذا ولا يجوز نفي هذا ولا هذا لأنّ الله أثبتهما جميعا فأثبت للعبد قدرة واختيارا وأثبت مشيئته سبحانه التي لا يخرج عنها شيء ، فإننا نؤمن أنّ للعبد مشيئة يمكنه من خلالها أن يختار من يريد من النساء ليتزوجها ومهما حصل من اختيار العبد فإنّه مكتوب عند الله ، وهذه الإرادة من العبد والاختيار والمشيئة سبب لحصول مقصوده وتحقيق مطلوبه يتوصّل من خلالها إلى ما يريد ، وقد تقوم موانع تحول بين العبد وبين الوصول لمطلوبه ومراده فيعلم العبد أنّ الله لم يقدّّر له ما أراد لحكمة يعلمها سبحانه وكلّ أفعاله سبحانه خير ، والعبد لا يعلم الغيب ولا مآلات الأمور وقد يتأسّف على فوات شيء والخير في فواته ، وقد يكره وقوع شيء والخير في وقوعه كما قال سبحانه (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (216) سورة البقرة
ويجب أن نعلم أن كل ما يختاره الشخص مقدر ، إنما على الإنسان أن يحسن اختيار من يتزوجها "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"، فالإنسان عليه أن يحسن الاختيار فيمن يريدها زوجة له، ويضع شروطاً، كل واحد لديه شروط معينة، فلابد أن يحسن الاختيار، وهذا كله واقع بقدر الله، لا تنافي بين الاختيار وبين القدر، كل ما يقع في الكون واقع بقدر الله عز وجل.
أهداف الزواج
يمكن أن نلخص أهداف الزواج في الإسلام ومقاصده بالأمور الآتية:
1-إشباع الغريزة الجنسية على نحو يحقق العفة والحفاظ على الأعراض، والسكن النفسي - قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم:21 فالسكون النفسي هو تعبير بليغ عن شعور الشوق واللذة والحب يجده كل منهما ،باتصالهما والملابسة بإفضاء أحدهما إلى الآخر، الذي به تتم إنسانيتهما وتكون نتيجته أناسًا مثلهما، وبه يزول أعظم اضطراب فطري في القلب والعقل، ولا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها بدونه، وإنما تكون المحافظة على هذا الركن بما أرشد كتاب الله تعالى إليه من قصد الإحصان في النكاح، وهو أن يقصد به كل من الزوجين إحصان الآخر، أي إعفافه وحفظه من صرف داعية النسل الطبيعية إلى المسافحة أو اتخاذ الأخدان لأجل اللذة فقط. وقصارى هذا الإحصان أن يقصر كل منهما هذا الاستمتاع على الآخر، ويقصد حكمته كوسيلة للنسل وحفظ النوع البشري على أسلم وجه وأفضله. ].
 2- نقاء النسل وصيانة الأنساب من الاختلاط.
 3- إيجاد جو صالح لضمان النشأة السوية للكائن الإنساني.
 4- صيانة المجتمع من التحلل والفساد.
 5- المودة والرحمة:- أي المحبة التي يظهر أثرها في التعامل والتعاون، وهو مشترك بين الزوجين وأسرة كل منهما، والرحمة التي لا تكمل للإنسان إلا بعواطف الأمومة والأبوة ورحمتهما لأولادهما.
طبيعة العلاقة الزوجية
قبل اتخاذ قرار الزواج لابد من وصول الطرفين للنضج الكافي لتحمل تبعات الزواج ومسئولياته والقدرة على رعاية أسرة، ولابد أن يدرك الطرفان طبيعة العلاقة الزوجية التي يمكن وصفها كالتالي:
أولاً: العلاقة الزوجية هي علاقة متعددة الأبعاد بمعنى أنها علاقة جسدية عاطفية عقلية اجتماعية روحية، ومن هنا وجب النظر إلي كل تلك الأبعاد حين نفكر في الزواج، وأي زواج يقوم على بعد واحد مهما كانت أهميته، يصبح مهدداً بمخاطر كثيرة.
ثانياً: العلاقة الزوجية علاقة أبدية (أو يجب أن تكون كذلك) وهي ليست قاصرة على الحياة الدنيا فقط بل تمتد أيضاً إلى الحياة الآخرة.
ثالثا: العلاقة الزوجية شديدة القرب، وتصل في بعض اللحظات إلي حالة من الاحتواء والذوبان.
رابعاَ: العلاقة الزوجية شديدة الخصوصية بمعنى أن هناك أسراراً وخبايا بين الزوجين لا يمكن ولا يصح أن يطلع عليها طرف ثالث.
وحول تكامل هذه الجوانب المتعددة للعلاقة الزوجية نجد أن أكبر خطأ يحدث في الاختيار الزوجي أن ينشغل أحد الطرفين ببعد واحد في الاختيار (اختيار أحادي البعد) ولا ينتبه لبقية الأبعاد.
التكامل أم التطابق
علاقة الزواج علاقة تكاملية بين نفس ونفس ، وبين روح ومكملتها ، ووسيلة الحصول على هذا التكامل أن نراعى ما يلى :
 1- الوضوح مع النفس: وبالتالي الصراحة التامة مع الآخر والمكاشفة المتبادلة بلا تمثيل، ولا تزييف للحقائق ولا إخفاء لأمور لها علاقة بحياتهما المشتركة المقبلة.
 2- إتاحة فرصة كافية للتعرف: كل واحد على طباع الآخر عن قرب من خلال الأحاديث، والمواقف والمفاجآت المختلفة، وهذا يتطلب أن تكون فترة الخطبة كافية، بلا تسرع ولا تعجل.
 3- الاستعداد المتبادل لقبول الآخر المختلف "عنى" والتكيف على طباعه حتى لو استلزم ذلك "منى" التنازل عن أمور أفضلها ولا تروق له، أو تعديل سلوكيات واتجاهات تعوقني عن التفاهم معه والتلاقي به.. هذا هو أهم احتياط يؤخذ في الاعتبار من أجل زواج ناجح.
 4- تحكيم العقل وعدم الانجراف مع تيار العاطفة: حيث العاطفة الرومانسية خيالية، وتلتمس العذر لكل العيوب حتى الجوهرية منها، وتؤجل تصحيح الاتجاهات الخاطئة، وتضعف الاستعداد للتغير إلى الأفضل، فالعاطفة غير المتعقلة توهم الخطيبين بعدم وجود أية اختلافات، وتصور لهما استحالة حدوث أية مشكلات مستقبلية.
 - معرفة السلبيات: 5- لابد من خلق قنوات حقيقية للاتصال بين الرجل والمرأة في إطار المجتمع، ولابد من حدوث مقابلات ومناقشات بينهما قبل الزواج – تحت إشراف الأهل – بشكل كافٍ يتناول كل جوانب الشخصية، بحيث يعرف كل منهما جوانب الآخر، خصوصاً سلبياته، والنظر إذا ما كان يمكنه تقبلها والتعايش معها أم لا، فلابد من الارتباط بشخص يمكنك التعايش مع عيوبه، ولكن الاعتماد على رؤية الشخص مرة أو مرتين فقط والحكم عليه من خلال هذا فقط لا يكفي لأخذ قرار مصيري مثل الزواج، والتسرع بالأخذ بالعوامل الخارجية وعدم دراسة الشخص جيداً يؤدي لفشل الكثير من الزيجات وربما هذا هو السبب في زيادة معدلات الطلاق في المجتمع في السنوات الأخيرة.
وتركيز الأسرة على النواحي المادية فقط للأسف يجعلها لا تري الجوانب الأخرى فيمن تختار، ويجعلها لا ترى شخصيته بشكل سليم، وهي الأهم لأن الأمر في النهاية يتعلق بتعامل رجل وامرأة وليس صفقة مادية.
 - أهمية أسرة المنشأ :6-  لابد من النظر إلى أسرة الرجل أو المرأة بشكل جيد إذ تلعب أسرة المنشأ دورًا مهمًا في تشكيل شخصية شريك الحياة، فالشخص الذي عاش في جو أسري هادئ ودافئ في حضن أبوين متحابين متآلفين ومع إخوة وأخوات يتعلم معهما وبهما معنى العيش مع آخرين، و هذا الشخص نتوقع نجاحه أكثر في الحياة الزوجية لأن نموذج الأسرة بكل أركانها يكون مطبوعًا في برنامجه العقلي والوجداني، فهو أكثر قدرة على أن يحِب ويحَب، وأن يعطي ويأخذ وأكثر قدرة على العيش المستقر الدائم مع شريك الحياة وعلي العكس من ذلك نجد أن الشخص الذي رأى وعاش تجربة انفصال والديه وتفكك الأسرة، نجده أكثر قدرة على الهجر وعلي الانفصال عن شريكه، لأنه تعود على الهجر وتعود على الاستغناء عن الآخر، ولا يجد صعوبة في ذلك، كما أن نموذج الأسرة ليس واضحًا في عقله ووجدانه.
آليات الاختيار
أما عن خطوات الاختيار السليم لشريك الحياة ، فيجب على الإنسان المقدم على الزواج أن يلتزم بالأخذ بالأسباب والسعي بجدية من أجل أن يطمئن إلى الشخص الذي اختاره كشريك حياة له، وأن يسعى قدر استطاعته إلى التحري عن هذا الشخص بشتى الطرق، من خلال ثلاثة مستويات:
أولاً: الرؤية والتفكير
بأن نرى الشخص المتقدم للخطبة ونتحدث معه ونحاول بكل المهارات الحياتية أن نستشف من المقابلة صفاته وطباعه وأخلاقه وذلك من الرسائل اللفظية وغير اللفظية الصادرة عنه.
ثانياً: الاستشارة
بأن نستشير من حولنا من ذوي الخبرة والمعرفة بطباع البشر، ونسأل المقربين أو المحيطين بالشخص المتقدم للزواج (زملاءه أو جيرانه أو معارفه) وذلك كي نستوفي الجوانب التي لا تستطيع الحكم عليها من مجرد المقابلة، ونعرف تاريخ شخصيته ونعرف طبيعة أسرة المنشأ وطبيعة المجتمع الذي عاش فيه. وفي بعض الأحيان يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما إلي متخصص يحدد عوامل الوفاق والشقاق المحتملة بناءً على استقراء طبيعة الشخصيتين وظروف حياتهما.
ثالثا: الاستخارة
مهما بذلنا من جهد في الرؤية والتفكير والاستشارة تبقى جوانب مستترة في الشخص الآخر لا يعلمها إلا الله، الذي يحيط علمه بكل شيء ولا يخفى عليه شيء، ولهذا نلجأ إليه ليوفقنا إلي القرار السليم خصوصاً أن هذا القرار هو من أهم القرارات التي نتخذها في حياتنا، إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
شعورك بالقلق طبيعي
إن الكثير يشكو من أنه وهو مقدم على الاختيار لا يشعر بتلك الفرحة التي يراها أو رآها في عيون من سبقوه إلى هذا الأمر بل إنه يشعر بالخوف والقلق
هذا الشعور يجعله يخشى ألا يكون اختياره صحيحًا خاصة وإذا كان صلى صلاة استخارة، فيعتقد أن هذه هي نتيجة الاستخارة ونقول ببساطة: إن هذا القلق طبيعي، ويشعر به كل المقبلين على هذه التجربة، ولكنهم لا يظهرونه ويخفونه وراء علامات السعادة.
ويكون سبب هذا القلق هو إحساس الإنسان أنه مقدم على خطوة كبيرة في حياته ويكون سؤاله الحائر - بالرغم من كل ما اتخذه من أسباب - هل فعلا قمت بالاختيار الصحيح؟ وهو شعور يزول بمجرد استمرار الفرد في إجراءات الارتباط وربما يعاوده القلق مع كل خطوة جديدة سواء وهو يتنقل من الخطوبة إلى العقد أو من العقد إلى الزفاف ثم يزول نهائيا مع بداية الحياة الزوجية واستقرارها… فلا داعيَ للقلق.

شارك أصدقاءك

1 التعليقات: