مجلـــــــــــــة الإحياء الإسلامي ::: العدد الأول ::

تحميل المجلة بصيغة word

تحميل المجلة بصيغة pdf

تصفح المجلة

معاينة غلاف المجلة

الأربعاء، 14 مارس 2012

رسالة حياة أم منظومة عمل بقلم سمية محمد بدري

مشاركة



::: رسالة حياة أم منظومة عمل :::
                             بقلم سمية محمد بدري
عضو هيئة تحرير مجلة الإحياء الإسلامي

قل لى كيف تقضى وقتك أقل لك من أنت ؟ ، كم هو رائع معنى هذا التساؤل فإجابته تحقق لكلٍ منا مغزى معين يعيش له حياته ويكرسها من أجله ويسعى بكل ما تتيحه الحياة له من وسائل لتسخير هذا الوقت فى خدمة غاية الحياة التى يرتئيها لنفسه ..
ولكن هل هى غاية واحدة يلتف حولها الجميع أم أنها مختلفة ؟!
المسلون وحدهم يجتمعون حول غاية واحدة ووحيدة للحياة وللوجود الإنسانى وهى تحقيق مفهوم "العبادة" بمعناه الشامل ..
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}، {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}
ونفهم من مجموع هذه الآيات وأمثالها؛ أن الإنسان خلق ليعبد الله وأنه خلق ليكون خليفة في الأرض، وأنه خلق للابتلاء، وأنه خلق لقدر من المتاع يناله في الحياة الدنيا، وأنه خلق ليعمر الأرض بالسعي في مناكبها والأكل من رزق الله، وبالسعي إلى تسخير طاقات السموات والأرض...
ولا تعارض بين هذه الأهداف جميعا، فكلها في النهاية تلتقي في مفهوم العبادة في الإسلام.
إنها ليست مقصورة على العمارة المادية للأرض - وإن كانت تشملها - إنما هي على وجه التحديد؛ عمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني، وعندئذ فقط تصبح محققة لغاية الوجود البشري، لأنها عندئذ تدخل في مفهوم العبادة الواسع الذي تشمله الآية الكريمة: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ...}.
فهى رسالة حياة تتوازن فيها أولويات وأشكال العبادة ، بدايةً من الشعائر والنسك إلى الحياة الواقعية .. حياة الفكرة وإحياء منهجها .. حياة ينقشع فيها ضباب الأمنيات والأحلام إلى دور واقعى وفعّال وحقيقى يثمر عن تحقيق معنى الخلافة الذى ابتعثنا الله من أجله فذلك هو الضامن الوحيد – إن شاء الله – لمماتٍ فى سبيله يكتمل به الإعمال الحقيقى للآية.
من هنا وجب تسخير كل دقيقة تمر بالعمر ضمن هذا المفهوم " للعبادة" ، ونحن متى فهمنا ذلك وجب ترجمته إلى عمل وحركة واقعية تنطق فى كل ركن منها بروح " الرسالة " .
فى الحياة اليومية ، الأسرية والشخصية .. فى الحياة العملية والدراسية .. فى العمل وفريقه كما فى المسجد ولقاء العلم .
ولكى يتحقق هذا المبدأ وتبدأ تلك الروح .."روح الرسالة" فى العودة إلى الحياة من جديد وتظل هى رفيقك فى هذه الدنيا كان لابد من تغيير يبدأ من النفس ثم يشق طريقه خارجها إلى المجتمع والأمة والإنسانية جمعاء وهذا ما يمثله المبدأ القرآنى وسنة الله فى هداية العباد (إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
و إذا كان الفردُ في حاجة إلى الجماعة لتستقيمَ حياته، والاجتماع الإنساني في حاجة إلى الأفراد ليضمن قيامَه وسيره إلى الأمام، فهو في أمسِّ الحاجة إلى النِّظام ليحقِّق وجودَه واستمراره، وهذا الاجتماع يظهر في صورةِ مجتمع يبقَى في حاجةٍ كبيرة إلى عقيدة موحدة تُنشئ العَلاقات والقِيم الأخلاقيَّة، وتبث في أفرادِ المجتمع الشعور المشترَك بحاجة الأفراد إلى بعضِهم البعض، وبوجودِ رِسالة ووظيفة في مستوى الفرْد وفي مستوى الجماعة وفي مستوى الأمَّة، وبوجودِ مبادئ وغايات لا تضمن وجودها إلاَّ بالوسائل والسُّبل المناسِبة، فتكون هذه العقيدة الموحَّدة هي الدافِع إلى النهوض بالرِّسالة والوظيفة داخلَ المجتمع، فيبدأ التارِيخ وتَنطلق الحَضارة، فالتاريخ يَصنعه الإنسان.
في المجتمع الإسلامي الأول كانت شبكة الـعـلاقـات الاجـتـماعية على أعلى المستويات ، وعندما أفـل نجم هذا المجتمع في القرون المتأخرة كان مجـتمـعـاً ملـيـئـاً بـالأفكار (الكتب والمكتـبات) ومليئاً بالأشياء ، ولكنها لم تغن شيئاً لأن شبكة العلاقات كانت قـد تـمـزقـت وأصبح عالم الأشخاص عاجزاً عن أي نشاط مشترك ، وهذا هو الذي أشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
فالفرد في المجتمع الإسلامي، وبسبب ضعف العلاقات الاجتماعية لا تقدم له الضمانات والـمـبـررات التـي تجـعـلـه يقدم أقصى طاقاته، وكيف يقدمها وهو يرى الأنانية والتنافس البغيض، وقلة الـتـشـجـيع.
إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة أو العقل المجرد، فهذا متوفر في بلادنا، ولكن ينقصه منطق ،العمل والحركة ، كيف يصرف المسلم وقته؟ كيف ينفق أمواله؟كيف يستغل علمه؟ مع الأسف إن جزءاً كبيراً من حياتنا يذهب عبثا ، فالمسلم أحيانا لا يفكر ليعمل بل لـيـقــول كلاماً مجرداً.
وإذا كنا قد وضعنا أيدينا على الداء العضال الذي يسحق نفس المسلم في هذا العصر وهو داء الفصام بين جانبه الروحي وجانبه الاجتماعي، فإن الخطوة الأولى التي تضع المجتمع المسلم على الطريق الصحيح، هي إزالة حالة الفصام التي تعصف بكيان المسلم.. فالمشكلة التي نواجهها إذن ذات جانبين: جانب اجتماعي وجانب نفسي. ‏
فالمهمة الأولى: في معالجة هذا التخلف الحضاري -الذي يطبق على الأمة الإسلامية- هي تصحيح العقيدة وتقويتها في نفوس المسلمين، حتى ينتج عنها ما تقتضيه من تأثير على كل ميادين الحياة. ويرتبط بتصحيح العقيدة تبصير الإنسان المسلم والجماعة المسلمة بوظيفتهم في الحياة لكي لا تتحول حياتهم إلى عبث، ذلك أن العالم الإسلامي اليوم إنما يعاني من وطأة تخلفه هذا، بسبب الغشاوات والحجب الكثيفة التي أسدلت على بصيرته، فأقصته عن معرفة حقيقة الإنسان والحياة التي يتمتع بها، والدنيا التي تطوف من حوله، وعن معرفة المهمة التي خلق الإنسان للنهوض بها في هذه الحياة.
والمهمة الثانية: في طريق الخروج من التخلف، تتجسد في تصحيح القيم الخلقية التي اكتسبت خلال عصور الانحطاط
مما يعنى وجوب بناء "شبكة علاقات رسالية" لأن أول عمل يؤديه مجتمع معين في طريق تغيير نفسه ، مشروط باكتمال هذه الشبكة من العلاقات ، وعلى هذا الأساس نستطيع أن نقرر : أن شبكة العلاقات ، هي العمل التاريخي الأول ، الذي يقوم به المجتمع ساعة ميلاده.

شارك أصدقاءك

0 التعليقات:

إرسال تعليق