مجلـــــــــــــة الإحياء الإسلامي ::: العدد الأول ::

تحميل المجلة بصيغة word

تحميل المجلة بصيغة pdf

تصفح المجلة

معاينة غلاف المجلة

الخميس، 15 مارس 2012

دراسات استراتيجية ::: الأولويات الإستراتيجية في المرحلة الراهنة !! ::: بقلم الأستاذ /محمد عبد الحميد

مشاركة


الأولويات الإستراتيجية في المرحلة الراهنة !!
           بقلم الأستاذ /محمد عبد الحميد
عضو هيئة تحرير مجلة الإحياء الإسلامي

تواجه دول الربيع العربي وغيرها العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي ستغير المنطقة في المرحلة المقبلة، فهذه التحديات تتمثل في التغيرات السريعة والطارئة علي البيئة الداخلية والخارجية للدول بالإضافة إلى ما تواجهه مؤسسات صنع القرار في الوقت الراهن من ضغوط من قِبل القواعد الشعبية لتحسين دور المؤسسات التنفيذية في أداء خدماتها؛ إن التغيرات الطارئة لها انعكاسات على البنية الاجتماعية والبنيوية التي تؤثر في المجتمع بالسلب أو الإيجاب وتصل لجميع المستويات وينعكس ذلك على متطلباتها الأساسية واحتياجاتها ، ويحدث ذلك خاصة أثناء الأزمات التي يتم العمل على إزالة أثارها السلبية سواء من قِبل الحكومات أو الأفراد.
ففي ظل هذه التحديات وتلك الضغوط أصبح من الضروري بل أصبح لزاما على أصحاب القرار السياسي وأصحاب الفكر الاستراتيجي تطوير وابتكار منهجية للتخطيط والتنفيذ تكون واضحة المعالم ومتكاملة لتطوير أداء المجتمع ومؤسساته في المجالات المختلفة لكي تستطيع تخطي المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة.
فإذا كانت عملية التخطيط الإستراتيجي مهمة صعبة فإن تطبيق تلك الخطط في الواقع يمثل تحدياً أكثر صعوبة وتعقيداً لأن نجاح عمليات التخطيط وترجمتها إلى سلسلة من الانجازات يُحدد من خلال الجهد المبذول ومن قراءة المعطيات على أرض الواقع بشكل صحيح مع القدرة على تحليل البيئة الداخلية والخارجية وتحديد الأهداف وأولويات المرحلة بدقة، و لا يكون تحديد الأولويات الإستراتيجية للأمة إلا من خلال الركائز الثلاث للتنمية الشاملة والمستدامة وربطها بـ ( التعليم ؛ والصناعة ؛ والبحث العلمي ) لرسم خط التطور المنشود لخروجها من حالة التبعية والتخلف. وفقدان أي ركيزة من تلك الركائز يؤثر على الفرد والجماعة معاً.
فالتعليم بصفة عامة هو عصب تقدم الأمم وتخلفها ولاشك أن الأمم المتقدمة علمياً تولي التعليم عناية قصوى من أجل تربية العقول ( الفردي؛ الجماعي) لمواكبة التطور لأنه يؤثر بشكل مباشر على النهوض بمستوى الصناعة وعملية البحث والتطوير؛ فربط التعليم بمكونات وعناصر الأمة هدفه تنمية العناصر البشرية بجميع مستوياتها؛ فالتعليم لابد أن يُوجه لأغراض تخصصية دقيقة تتجاوز في مراحلها الأولى التخلف في البني التحتية التي تستند عليها عملية الخروج من مرحلة التخلف المزمن إلى عملية التخلف البسيط والتي تقوم في الأساس على الإنتاج؛ فعمليات التقدم لابد وأن تبدأ من عمليات إنشاء قواعد تنموية تستند عليها حركة الصناعة والإنتاج والبحث وهذه غير متوفرة أصلاً ففي البداية لابد من إنشائها في مدة زمنية مناسبة لكي يتم تأهيل الأفراد والمجتمع.
والمتأمل لحال الصناعة يلُحظ بعين الأسى ضحالة العمق العلمي والتكنولوجي لها فلا يكاد يَرى مُنتجاً واحداً صُمَمَ وطُورَ بأيدي وعقول المصرية وليس المصرية فقط بل حتى العقول العربية فغاية ما نراه من منتوجات صناعية نُقلت من الغرب أو غيره ولم تُزرع في التربة العربية أو الوطنية فكل الصناعات الموجودة هامشية لم تُوطن بَعُد في البيئة وهذا يرجع في الأساس إلى غياب دور المخطط الاستراتيجي للصناعة وعدم تحديد الصناعات الإستراتيجية ذات التأثير في عملية التنمية الشاملة وبالتالي لم يكن هناك توظيف للقدرات المادية والبشرية وتوجهيها لإنشاء هذه الصناعات الإستراتيجية ولا القدرة على الإنتاج ولا المنافسة وهو ما صنع عملية التخلف والتبعية ورسخهما في التربة العربية والمصرية.
والمتابع للإستراتيجية الأمريكية والغربية اليوم في مناطق العالم يرى بدقة خوفهما من توطين الصناعات الدقيقة والعلمية في الصين وكوريا والهند وروسيا الجديدة وحصارهما وأن الحرب على إيران ليست من أجل السلاح النووي كما يدعون أو يعتقد البعض فهذه الدول لديها ما يردع إيران ولكن الخوف كل الخوف من توطين العلم في دولة مثل إيران مع أنها صاحبة مصالح مشتركة مع الغرب ضد التواجد العربي والإسلام السني؛ ودليلنا على ما أكدنا خوف الغرب من توطين العلم في المنطقة هو قتل العلماء الإيرانيين وليس سياسيين وفي سوريا الثورة يحدث الآن نفس الشئ وفي ليبيا قتل العلماء ؛ وحدث بلا حرج على قتل العلماء أثناء احتلال العراق  فقد قتلت قوات الاحتلال الأجنبي أكثر من أربعمائة من العلماء وتم تهجير كثير منهم إلى الدول الغربية وإسرائيل تحديداً تحت التهديد.
إن غياب الرؤية الإستراتيجية الشاملة وغياب التخطيط الراعي للصناعة والبحث العلمي ومعاناتهما مع عدم وضوح الهدف وغياب التوجيه الاستراتيجي فتح المجال أمام الأفراد وليس المؤسسات العلمية كلٌ حسب اجتهاده في عملية التنمية والتطوير وأصبح هناك انفصالاً بين التخطيط الاستراتيجي والصناعة والتعليم والبحث العلمي كان نتاجه التبعية العلمية والصناعية التي تكونت من خلالها عدم الثقة بين الصناعة ورجالها وبين مراكز البحث مما أنتج هجرة للعقول استنزفت الطاقات البشرية والثروة والموارد لصالح الغرب ما عكس علينا مستويات متردية من البحث والصناعة لعدم القدرة في استمرارية البحث وتطوير العلم وتراكم المعرفة وتوطينهما.
وعلينا؛ تحديد الأولويات الإستراتيجية والأهداف القومية الواضحة لقطع الجزء الأكبر من عمليات التطوير والتحديث في مجتمعنا؛ والعمل على تنفيذ خارطة للطريق تقوم بالتخطيط للطريق الذي يتعين على مجتمعات الثورة والثوار سلوكه وتحقيق أهدافه ووضع سيناريوهات بديلة في الطريق تستند على هذه الخارطة لتنفيذها وتغيير واقع التبعية وتحديد الأهداف والإجراءات التي تساعد في تحسين الصناعة والمراكز البحثية المتخصصة وكفاءة المجتمع من خلال خلق القوانين الرئيسية والأنشطة المطلوبة لتمويل هذه خارطة.
وإن استمرار الوضع على ما هو عليه من تدهور وغياب عناصر البحث والتطوير والإنتاج وإهمال الصناعات الإستراتيجية في وقت لم يتم فيه تحقيق البرامج والخطط والأهداف التكتيكية والإستراتيجية فإن دول الربيع العربي وغيرها قد تواجه تحدياً كبيراً في توفير احتياجاتها الأولية في المستقبل إذا بقي الوضع كما هو.
إن ضرورة إقامة مراكز حقيقية خاصة بالعملية التعليمية والبحثية والصناعية لهو من الأولويات الإستراتيجية للمرحلة الراهنة التي تَمُر بها أمتنا لتأمين خروجها من حالة الانكسار والتبعية إلى حالة الخيرية التي أراد الله تعالى أن تكون فيها؛ يقول تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. 

شارك أصدقاءك

0 التعليقات:

إرسال تعليق