مجلـــــــــــــة الإحياء الإسلامي ::: العدد الأول ::

تحميل المجلة بصيغة word

تحميل المجلة بصيغة pdf

تصفح المجلة

معاينة غلاف المجلة

الخميس، 15 مارس 2012

نافذة على الواقع ::: مع أو ضد ::: الأستاذ /إبراهيم العسعس

مشاركة
::: مع أو ضد :::
الأستاذ /إبراهيم العسعس

من سمات العقل المتخلف أنه دائم التحركُ بين ثنائيتين مُتـقابلتين بطريقةٍ حادةٍ ؛ إمَّا كذا وإمَّا كذا ، بطريقة لا تستطيع أن تـتخيل ـ أو ترفض أن تتخيل ـ وجود احتمال ثالث ورابع .... ليست كل القضايا صواباً محضاً ، ولا خطأ صرفاً ، ولا تدور كلُّ الأوصاف بين الحلال البـيِّـن والحرام البـيِّـن ، أو بين الخطأ الواضح ، والصواب الصارخ ، فكثيرةٌ هي القضايا التي لها أكثر من زاوية للرؤية ، وكلُّ زاوية لها حكمها الخاص ، ووصفها الذي يدور مع ظروفها وجوداً وعدماً . وكم كنت أتمنى لو أنَّ الحياة بأحداثها وأشخاصها وعلاقاتها قُرعةٌ بين خيارين لهما وضوحُ الفرقِ بيـن الأسود والأبيض ، أو حَدِيَّة المسائل الرياضية، وإذن لكـان الناسُ كلُّهم حكماء ، وهيهـات إذ لـولا التداخلُ بين الأمور     " لسادَ الناسُ كلُّهمُ " ، ولأصبحوا جميعاً حكماء ، " ولكــان أدنى ضيغــمٍ أدنى إلى شــرفٍ مــن الإنسان " ! ومع أنَّه ليس مطلوباً من الناس أن يصبحوا جميعاً من الحكماء ، لكن هذا لا يعني أن يصبح الخلط بين الأمور سِـمَةً بارزة لأمةٍ من الأمم ، حتى يستوي في ذلك النخبةُ فيها مع الرعاع ، والخواص مع العوام !
    فأين نحن من هذا ؟
 نحن خيرُ مثال لهذه الآفة ! فإنَّ مواقـفنا تتحرك بين طرفين ، وتتعامل مع لونين ؛ أسود أو أبيض ، وتـتمسك بأحدهما بشدةٍ وعنف ، وتخلطُ الأحكام والأوصاف . إنَّ أهم خللٍ أصاب منظومتنا الفكرية يتمثـــلُ في عدم قدرتنا على الفرز ، أو في الاسترخاء والهروب من كـدِّ الذهن في البحث عن تنوع الاحتمالات ، والنظر من أكثر من زاوية . إننا أصحاب السلَّة الواحدة ! التي لا نملك غيرها ففيها نضع كلَّ شيءٍ، لنعطيه حكماً واحداً ، وحلاً واحداً ، وموقفاً واحداً ! هكذا يتربى المسلم في بيته على ضرورة الاختيار بين ثنائيتين لا ثالث لهما ، وهما مُحددتان سلفاً والويل له إن خرج عنهما . وهكذا يتعلم في المدرسة والجامعة ؛ يتعلم أن يستروح الركون إلى فكرة الثنائية المتقابلة أو المتعاندة ، وغير ذلك يعني بالنسبة له أن يَصدع عقلَه ويُجهده في التحليل والتركيب ! إنَّ طريقة دراستـنا وأسلوب حياتـنا تُــنـتجان هــذه الحَـديَّــةِ فـي الاختيــار؛ حـدِّيَّةَ أنَّ كــلَّ المسائل هي فـي قـطعيَّـة :
" أفي اللهِ شكٍّ " ! إنها ثنائيةٌ : كلُّ صوابٍ عندها يقابله باطل ولا بدَّ ، فلا وجود لديها لصوابٍ يقابله خطأ ! أو لصواب يحتمل الخطأ !
  إننا أمةُ : مع أو ضد ، هذه الثنائية التي لا تحتمل موقفاً ثالثاً... وكم ضرتنا هذه الثنائية ، وكم فوتت علينا فرصة الفهم ، فقط فرصة الفهم ، وكم لذلك تكررت مصائبنا ، وتعددت هزائمنا ، لقد كانت مصائب وهزائم متشابهة تحمل نفس صفات سابقاتها ولكننا كنا في كل مرة نتوقع _ بل نتمنى فالتوقع مرحلة متقدمة بالنسبة لنا _ نتائج مختـلفة ، وقد قال أحدهم:" إنَّ الأمم التي لا تقرأ تاريخها ، معرضةٌ لإعادة إنتاجه لغير صالحها " ! أو لسنا كذلك ؟!! ولقد كان مرض الثنائية من أهم أسباب هذه المصائب لأننا كنا لا نتخيل إلا مع أو ضد وبطريقة ساذجة ! فكانت المؤامرات تمرر من تحت ذقوننا ونحن نتجادل أي الثنائيتين أفضل !
   إن من يدرس التاريخ ؛ تاريخ المصلحين وحركات التغيير بالذات يجد أنها استطاعت التخفف من ثنائيات عصرها وبحثت عن الخيار الثالث والرابع .... ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم سمح لكفار قريش بأن يضعوه في خانة الثنائية لما حقق ما حقق ...
   وإن أردتم مثالاً على هذا مما نحن فيه فهاؤم : في موضوع الثورات هل نستطيع أن نفكر خارج صندوق مع الثورة أو ضدها ؟ فنحاول مثلاً أن نسجل وقوفنا مع ضرورة تغيير الأنظمة مع التنبيه إلى أن الذي لا يمثل حقيقة الثورة ... أو أن الذي حدث قد تكون وراءه قوى خارجية وأنها _ أي القوى الخارجية _ لم تفاجأ ، وإن كان ولا بد فهل نستطيع أن نقول : إنها توجه الحدث إلى حيث تبقى مسيطرة على الوضع ، محققة لمصالحها ... هل نستطيع طرح هذا السؤال دون أن يتهم أحدٌ أحداً ؟!
   وهل نستطيع أن نسأل سؤال تنبيه : هل تفاجأ الغرب فعلاً بنتائج الانتخابات الأخيرة ؟ وأنهم لم يكونوا يتوقعون فوز الإسلاميين ؟ أو أنهم لم يتوقعوا هذه النتائج ؟
   وهل فعلاً لا يريد الغرب أن يحكم الإسلاميون ؟ وأنهم وافقوا أو يمكن أن يوافقوا على ذلك لكن تحت شروط معينة ؟
  وهل لنا أن نقول : إن وصول الإسلاميين إلى الحكم هو في الحقيقة توريط ، وتفشيل ؟ وأنه لا بد من التفكير في الموضوع خارج ثنائية إما أن نشارك وإما أن نخسر الدستور ! أو هل تريدون منا أن نترك الأمور للعلمانيين وغيرهم ؟
 ... عندما خطب المنصف المرزوقي في جلسة افتتاح البرلمان التونسي وذكر اسم الله وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام اعتبر بعض الأفاضل أننا انتصرنا على الغرب وأننا قهرناهم ووو ، هم أفاضل على كل حال ، أفاضل وحسب وأنا شخصياً بعد فرحتهم هذه لا أثق بإرسالهم لشراء بصلة !
لأنهم يكتبون ويتحدثون ويتأثر بهم من يتأثر وهم لا يعرفون أنَّ التسمية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مجرد بروتوكول يجب أن يقال في الدول التي تسمى إسلامية فهي لا تعني شيئاً ، ومما يؤسف له أنَّ الغرب يعرف هذه البدهية وجماعتنا لا يعرفونها !! إنها ثنائية : أين كنا وأين صرنا ... نعم لا بأس من التعبير عن أنه أمر ملاحظ مقارنة مع السابق ، لكن أننا وضعنا أنف أمريكا في التراب !! فثنائية الحمقى !
   وهل يمكن أن نحذر من أن ما يحدث مقدمة لسايكس بيكو جديد ؟ وأن مقدماته فعلاً بدأت ؟
   هناك ثنائيات كثيرة تحيط بنا ، تشوه فهمنا ، وتزور واقعنا ، وتعيق تقدمنا ، وتسخف قراراتنا ...
وإن لم نقم بعلاج هذا المرض فسنبدأ دائماً من نقطة الصفر ، ونعيش دائماً في نقطة الصفر ، وقد تصغر بلادنا أكثر مما هي الآن ...

شارك أصدقاءك

0 التعليقات:

إرسال تعليق